الخميس، 31 مارس 2011

احتراق




جلس بالقرب منها ، ثم ألقى بهذه الكلمات :

" أحب الجلوس بقربك ، أحب الحديث معك ، يروق لي حالنا يوم أنفعل ، فأصرخ في وجهك ، متصنعاً الغضب من غياب منطقك . أحب تفاديك إياي حين أصرخ .. أحب هذه الحركة الأنيقة منك .. أحب أكثر يوم تعودي بعدها لي حين أهدأ ، فتقتربي بدلال يشعرني بتأنيب الضمير .. أتأسف منك بعدها .. فتسيل دمعاتك لتقتلني ، فأحبك أكثر .. وأكثر ..


لكنك ما تنفكي تعيدي الكرٌة .. تعلمين ما يغيظني منك .. تعلمين أني أكره هؤلاء الأوغاد من حولك .. الأوغاد المتشحون بالبياض .. أكرههم لأني أعلم سواد قلوبهم جيداً ولا تعلمين .. أرى نظراتهم الجائعة لك .. أجدهم أحياناً يحومون كالضباع حولك .. يريدون احتلال مكاني .. يريدون الاقتراب من أنفاسك .. كما أفعل الآن .. يريدون أن يستمتعوا بك كما أفعل .. هذا الكلب قصير القامة بالذات .. سأقتله يوماً .. كل شيء فيه بغيض .. رداؤه القصير يتدلى إلى ركبتيه بشكل مقزز .. حذاؤه الأبيض يبدو منتفخاً متضخماً يثير الاشمئزاز .. ! ابتعد يا كلب .. يا قبيح ..


ها أنت تتفاديني مرة أخرى ! لم أكن أصرخ في وجهك هذه المرة ، كان غضبي متفجراً تجاه من حولك .. وكانت رسالتي ألا تتمايلي أمامهم كما تفعلين معي .. ألا تبعثي الحنان والسكينة .. والدفء إلا معي .. أنت لي وحدي .. وأنا لم أقترب إلا منك .. ولم أبحث عن سواك .. ولن ترضي أن أجلس قرب غيرك .. أليس كذلك ؟ أرأيتي هو عهد ضربناه بيننا .. لنلتزم به قبل أن أضرب قفا هذا الكلب المستفز ..!



حسنٌ ، لأهدأ ، ولتسكني قليلاً .. دعيني أحدثك عن جمالك حين تسكنين .. عن راحتي معك .. هي أجمل اللحظات .. يوم أغمض عيناي ، وتنتظم أنفاسي .. وأقترب .. حتى أشعر بكمية كبيرة من الدفء والطمأنينة تحيط بي .. الأجمل أنها هي كل ما لديك .. وما يجعلني أرقص سعادة بها هو أنك قدمته لي .. لي أنا فقط .. ودون مقابل أو ضمانات ..

جميلٌ الإحساس يوم تعرف أن الشريك قد أعطى كل ما لديه .. سيءٌ عندما تشعر أنه يحرمك من شيء لأي سبب كان .. شريكٌ بخيلٌ هذا !
أنتِ معطاءة ، بذلتي ما تملكين .. وأتمنى أني أسعدتك كذلك ..

لكن كرمكُ زائد ، غير محسوب العواقب ؛ منذ حضورك ، وجاذبيتك تملأ المكان ،  وتعمل عملها في عقولهم وقلوبهم السوداء .. عطرك فاح .. وأتعبني تخيل منظر أنوفهم وهي تستنشقه .. تخيل الرائحة وهي تضرب عالياً في عقولهم الفارغة .. تخيلت الخدر الذي سيبدو على عيونهم .. لا تلوميني .. فغيرتي بدأت بظلالك أصلاً ..

 طلبت منك الانتقال بقربي .. التنعم بما لدينا من قواسم مشتركة ؛ أنت تبعثين الدفء والحنان ، وأنا أوفر الحماية والأمان .. اتفقنا ؟ ما أجمل رقصتك هذه حين تسعدي بما نتوصل إليه من حلول ..

يا للسماء ! يبدو أن آخرين أيضاً سعدوا بما رأيت منك الآن .. ألا حل جذري مع هؤلاء ! لا .. لا أستطيع أن أتمالك نفسي .. الأسنان الناخرة التي يظن أصحابها أنهم يبتسمون تثير غيظي .. أغلق فمك عليك اللعائن .. ! هي حبيبتي أنا .. لا أدل على ذلك من قربي منها .. ألا ترون ضآلتها ؟ ألا ترون سعادتها معي ؟ ألم تلاحظوا جزعها من قربكم منها الآن ؟ لقد خُلقت لي أنا .. لي أنا يا كلاب .. يا كلااااب "

فغرق المكان في ظلام دامس .

الأربعاء، 16 مارس 2011

Self Pity


 


" أكتب الآن في نفس الوقت الذي أعلنتَ فيه الفراق ، بالضبط بعدما توقف آخر شهيق من نشيجي الذي استمر طوال الليل . أعلنتُ تمردي على كل شيء .. حتى على حياتي .. أعددت لنفسي موتة هادئة ؛ أحضرتُ حبلاً من فناء منزلنا . أهلي نائمون الآن ، سينتهي كل شيء بلا أدنى ضجيج ، ربما في الصباح سيختلف الوضع ، لكن المهم هو الآن ، أن أتغلب على الضجيج الذي في داخلي ، والذي سيقودني للجنون ..


أفضل الموت على الجنون .. المجنون سيظل يحمل قلباً يتألم ، وجسداً يُجرَح ، ربما لا عقل له ، لكن يبقى إنسان من لحم ودم وروح .. هذه الروح هي ما تؤلمني يا حبيبي ..


حبيبي .. ! استميحك العذر في كسر القاعدة التي اتفقنا عليها : الفراق ، وإيقاف هذا العبث .. ومن العبث - كما تقول - أن أناديك حبيبي .. بالطبع أنت من أسماه عبث ، لأنك قد قررت فجأة ، أن "تتغير" .. وتصبح إنساناً آخر لم يعد يرغب بالمزيد ..

المؤلمُ أني كنت معك أمة مطيعة دائماً .. كنت أمة لأني سُلبتُ حقي في قول "لا" يوم اقتحمت أسواري .. كنت أغلق الأبواب بصعوبة .. بصعوبة لأني منهكة من الزمن .. مريضة من سموم المجتمع . كنت أسألك الرحيل باستمرار .. كنت أعلنها أكثر من مرة بأني إنسانة " غير " ، ولا أرغب بالمزيد .. كما فعلتَ معي ، لكن لم تستمع لي . لم أكن اطلب منك الانتحار كما سأصنع الآن . فقط رجوتك أن تبتعد عني ..

تجاوزتَ خطي الأحمر القديم .. خط كنت أفخر به ، وأقدمه عند كل معارفي كطفلي الذكي . لقد شُلَ هذا الطفل الآن .. شللاً كاملاً .. لم أعد أتواصل وإياه إلا بالدموع .. فهي وحدها تخبرني بجوعه وعطشه وحاجاته .. ولومه !

لم أعد أفيد طفلي بشيء الآن ، وأنا أمتُك .. أرى بعين الخيال وجهك وهو ينقبض من هذا الوصف .. لكن هو كما قلتَ لك حرفياً : كنتُ أمتُك ؛ لم أحسن التعامل مع قلبي .. فأهديته لك بدون أية ضمانات .. قطعتُ على قلبي كل خطوط الرجعة .. ولم أنتظر منك إعادته .. لأني وثقت بحسن تعاطيك معه . قد قلت في نفسي مرة " فيم أريده ؟ الجسد واحد - على غرار الجيب واحد هه " .. لم يخطر لي على بالٍ أن هذا الميثاق قد يسقط .. وينتهي تاريخه في لحظة يحددها " مزاجك " ..

انتهى تاريخ الميثاق ، ودستَ على قلبي عند أشد أوقاتنا حساسية .. أتذكر تقاسيم وجهك التي انقلبت رأساً على عقب ؛ انعقاد حاجبيك ، زم شفتيك ، ضيق عينيك .. كل هذا بعدما دككت آخر حصوني التي ظننتها يوماً منيعة .. نهضتَ من عندي حبيباً آخر تماماً ؛ جاف ، بارد ، وقاس كالصخر .. أصلحتَ من هندامك دون أن تسمح لي بالمساعدة .. ثم أوليتني ظهرك ، كما أوليتني قسوتك .. حملتَ "عقالك" بيديك الاثنتين ، ونصبته على رأسك باعتداد ، كما ناصبتَ مشاعري العداء !

ألقيتَ علي نظرة أخيرة .. فرأيتني وأنا في أضعف أحوالي .. ملتحفة بالكامل بالغطاء .. ما عدا عيناي .. عيناي اللتان تسقيان الغطاء بدموع لم تثر في نفسك أي شفقة .. فأكملت طريقك .. وخرجت دون تحية حتى .. لم تحضر انهياري وقتها .. لم تسمع صرختي الطويلة التي آذت أحبالي الصوتية .. لم تر الدماء التي لطخت جبهتي بسبب تهوري وضرب رأسي بالمرآة الكبيرة بغرفتي ..

تجاهلتني تماماً .. وهذا يؤذيني كما تعلم .. روحي تتآكل ؛ والسبب هو بعد قلبي عني .. وقلبي ملكك .. لا أستطيع استرداده !

أرأيت ؟ لم يكن قرار الانتحار أحمقاً كمثل قرارات البعض .. لن انتحر بسبب خسارة مادية .. فالمال يستمتع به الجسد فحسب .. والجسد سيعمل ليعيد أضعاف ما خسره .. ولن انتحر بسبب فضيحة أخلاقية ؛ فالنسيان كفيل بذاكرة الإنسان . إنما أنا أفعلها بسبب خسارة لا تعوَض : قلبي .. لا قلب لدي كما لدى كل الناس .. لا روح .. لا جسد .. فلم البقاء ؟
أكتب هذا النداء الأخير .. كي تنقذني .. كي تسعفني بقلبي .. كي تعود إلي . "


* إلى : حبيبي
* تم الإرسال ... تم تسليم الرسالة
نقرت أصابعها على الطاولة ، مرت دقائق عدة ... لا رد .
تناولت الهاتف مرة أخرى ، وتوجهت للرسالة : إعادة إرسال .. ثم وضعت رقماً آخر .

 

السبت، 12 مارس 2011

خــلوها تـختم




حاولتُ أن أصلَ إليكم ، وأوضحَ ما التبسَ عليكم ، لكنكم تجاهلتموني ؛ غلقتم الأبواب والنوافذ في وجهي ، وجعلتم على مكاتبكم مدراءَ مكتب ، وللمدير مكتب مدير مكتب ، ثم اتخذتم لأنفسكم مستشارين يُجَدولونَ مواعيدي لتُصبحَ في نفس أوقات اجتماعاتكم .. حتى استُنفِدَت مني جميع الحيل ، ولم يتبقَ لي غير وسيلة وحيدة ..

تعرفتُ على أحدكم ؛ عضوٌ مبتدئٌ في مجال البوح يبدو ، وامتلك الحق في نثر سطوره بين أيديكم . هو مثلكم لا يختلف ، لديه مكتبه المغلق ، وبابه الموصَد .. لكن له ما يميزه ؛ فهو يستقبل الشكاوى أثناء نومه ! فعلاً بلا مزاح .. أستطيع الدنو من أحلامه ، وبثَ ما أريد ، ثم إذا استيقظَ هو ، يحول رسائلي إلى كلماتٍ تحتلُ متصفحاتكم ..

ألم تتعرفوا علي بعد ؟
أنا المظلومُ الذي اتهمَ بالظلم .. أنا الأمين الذي رُميَ بالخيانة .. أنا الوطني الذي ألبستموه ثوب العمالة .. أنا صاحب القضية الشريفة التي لاكتها ألسنتكم .. وتجاذبتها صفحاتكم دون تثبت .. أنا أبوها .. !
ما بالكم أيها الشعب ؟

عهدي بكم ذالك الشعب المؤدب الحبيب ، ذو الأخلاق الوطنية .. الذي لا يكاد يصدرُ عنه صوت سوا صريرُ القلم الجاف وهو يوقع ذلك المعروض الجميل اللطيف . .


يا سلام على الزمن الماضي .. زمن العزة والكرامة .. أين أين أيام الهناء .. يوم كنا نعيش حياتنا كمسئولين حقيقيين ؛ نمارس أدق التفاصيل المفيدة ، وبكامل حريتنا ، نأكل مما أنزله الله لنا من السماء ، فلا نقول : لا .. كيف نرفض .. وهي هبة من الرب ؟ نعوذ بالله من كفرِ النعم ..

كنتم في رغد من العيش أيضاً ، أنا متأكدٌ من هذا .. كنتم سعداء .. وهادئين ..

لكن الآن .. آه من عبثكم الآن آآآآه .

أصبحتم مترصدين وحشيين .. لا ترقبون في مسئول إلاً ولا ذمة .. تدعون أنكم تحاربون الفساد .. وكل الفساد في ما تفعلون ..
ألم تعلموا أنكم تقفون في وجه قضية دينية وطنية عليا ؟ لا أظنكم تفقهون ذلك ، فأنتم تتمركزون في مصاف دهماء الناس وعامتهم .. يحرككم فكرٌ جمعيٌ بقيادة مراهقو "الفيسبوك" و"التويتر" ..

لن أخوض في تفاصيل قضية ابنتي ، فالكل يعرفها – أعني القضية طبعاً .. لكن سأحيلكم لبعض المعاذير من وراء فعلتها ، سأشرح لكم بعض الأسباب والمبررات الخافية ، عسى أن تكون رادعةً لكم عن الخوض فيما يخصنا في المرة القادمة ..


يقول نبينا " ما رأيت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء " ، وابنتنا كما تعلمون من دار علم وتقوى ، ولن ترضَ بحالٍ أن تخالط رجالَ تلك الجامعة ، تنظرُ لـ "مايك " وينظر لها ..

أترضون هذا لأخواتكم ؟ لبناتكم ؟ لجداتكم ؟
فأنا كذلك لا أرضاه لابنتي ، وسأفعل ما يلزم كي أفصل الفاتن عن المفتون . فأحبوا لي ما تحبون لأنفسكم ..

" إنما الأعمال بالنيات " ، ونية ابنتي من طلب التصديق على شهادتها وطنية خالصة ، فهي تحلمُ بخدمة المجتمع عن طريق تولي إدارة إحدى جامعات البنات ، فتسهر على راحة الطالبات ، وتفتتح العديد من المشاريع التعليمية ، ثم لا بأس في نهاية اليوم أن أجلس وإياها بعد تناول العشاء ، لنقرأ ما تستحقه ابنتي من الثناء العظيم ، الذي تمتلئ به المنتديات الجامعية ..


ولا ننس أن مقولة " العرق دساس " صحيحةٌ جداً ، وسارية المفعول حتى الآن . فعائلتنا اشتُهرَ عنها منذ عشرات السنين ، تولي المناصب الوزارية الكبرى . فمن هذا الباب – باب العرق المدسوس في ابنتي أعني – هي جديرة بالمنصب الحلم ، وتستحق – لروح الإدارة في داخلها - أن تتوج كإحدى "طويلات" الأعمار .. ولن يقف في طريق نهضة بلادنا " ختيمٌ " أسود .


أيها الشباب والشابات :

ألم تسألوا أنفسكم ، لمَ هذا التوقيت المريب ؟
ألا يوجد في القرون الماضية ، والأجيال ، والسنوات ، والشهور ، والأسابيع ، والأيام ، مساحة كي تمارس فيها طهوريتك أيها الشقي المعزول ؟
" حبكت " الآن ، كي تفضح شئوننا الداخلية ، وتحتسب على رأسي ورأس ابنتي ..؟ ها قد نلت جزاءك ؛ جزاء كلُ مفسدٍ في هذا البلد . فماذا استفدت ؟

لسنا أغبياء بدرجة كافية ، وإننا نعلم أن ما راء الأكمة ما وراءها ، فأناشدكم أن تستيقظوا من نومكم ، وتتنبهوا لما يُدار في الخفاء ضد أمن بلادكم ، ومستقبل أخواتكم الطالبات .. فالموضوع واضحٌ أن خيوطه قد نُسجَت من غرفةٍ مظلمةٍ في تل أبيب ، وبإشرافٍ مباشرٍ من البيت الأبيض ، وهدفه ضرب الاستقرار ، عن طريق الهجوم على صمام الأمن لهذه البلاد : ابنتي وشهادتها ، وختمها ..

يتذرعون بمبدأ إقامة العدل ، ويحشون كلامهم بالمقدس من القول كقوله : " لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت ، لقطعت يدها " ، وتلك " طعطعة " نميز نبرتها .. وندركُ أهدافها ..

لا أخفيكم أن غبار القضية قد تلاشى تقريباً ، لكنهم ما زالوا يخططون لإعادة بثها من جديد ، وتصعيدها على أعلى مستوى ، للمطالبة بالقصاص من ابنتي ومن المسئولين عنها . وإني بهذه المناسبة ، أحذركم من فتنة عظيمة لا مكان فيها لـ" ابن لبون " واحد ، بل الجميع ضروعاً تُحلَب ، وظهوراً تُركَب . .

أحذركم من مخططات تنظيم القاعدة ..
ستثأر القبائل من بعضها البعض.
و " مفيش" بترول ..
وستأكلون حبوب هلوسة أيضاَ .

لا .. لا .. أنا كلي ثقة في شبابنا ، الشباب الذكي ، الوطني الجميل .. أحييكم أيها الشباب من هذا المكان بجانب رأس هذا العضو الذي أوشك على الاستيقاظ ، وأتمنى أن تمارسوا عاداتكم في إنشاء الحملات الشعبية المفيدة .. فإن لكم باعاً في هذا ، لتكن حملةً لبلادكم هذه المرة .. أيها الشباب : يا روح الأمة .. الوطن يناديكم .. الأمن يرجوكم .. الاستقرار يتوسل إليكم .. مستقبل تعليمنا يستجير بكم .. لتنشئوا حملة مضادة لحملتهم ، شعارها :

"خلوها" تختم