الخميس، 24 فبراير 2011

أجزاء مفقودة

.
.


آهٍ يا2011 .. ! زحفُكَ عاصفٌ ، أتخمتَ أوقاتنا بما لم نتوقع ، فأشهدتنا على تهاوي برجين عتيدين ، واغتصاب عروسٍ حجازيةٍ فاتنة . سخِرتَ من توقعاتنا السياسية ، وما زلتَ .. ! صنعتَ منا "فلاسفة" الزمان ، فاختلطت سطورنا ، وتداخلت أصواتنا ، محللة ، وناسجةَ للحلول والرؤى .

ليس هذا فحسب ، يا 2011 ، فبعد أن أشعلتَ قاعاتِ الضيافةِ الملكية ، وشاغبتَ في ميادين الغضب ، وانجرفتَ مع سيول الفساد ، انتهيتَ إلى مغازلة عقلي الباطن بملايين الرسائل الإيحائية .. !

فها أنا ذا بسببك قابضٌ على سماعة هاتفي ، منصتٌ لرنينٍ متقطع ، انتظر تحية الإسلام من معبر المنامات ، لأقصصَ عليه حُلمي المتكرر الغريب ، الغريبُ في تناقضه ؛ فهو كابوسٌ دموي من جهة ، وطريفٌ لكمِ التفاؤل الذي يحمله من جهة أخرى :
رأيتُ فيما يرى النائم ، أن قنبلةً انفجرت بإحدى المدن ، وخلفت نتيجةً كارثية لم أعلم حجمها حتى زرتها برفقة العمدة . لم تكن لي وظيفة معينة معروفة في هذا الحلم . كانت المدينة من بعيد أشبه بطبق شكشوكة ناضج .. ! امتزجتِ الجسور المتهالكة بالسيارات ، والمباني بقاطنيها ، حتى لم نعد نفرق بين لون ورائحة الحياة من غيرها ..

دخلنا مركز المدينة بسيارتنا ، نتفقد المآل . تنبهنا على أنينٍ جماعيٍ يصدر من الجهة الشرقية ، أدرنا المقود ، ثم زدنا قوة الإضاءة كي تخترق العاصفة الترابية حولنا . الآن على مد بصري ، يرقد مجموعة من سكان المدينة ، مصابين بشدة .. ! فهذا قد فقد عيناً ، وذاك قدمٌ بكاملها ، وهذا قد شُلَ حتى لم يعد يستطيع تحريك رأسه .. اقتربنا منهم ، والعمدة يردد جملة " لا باس لا باس .. الأمور بتزين " ..

رفع العمدة ثوبه ليجلسَ عند من فقئت عينه . ربت على رأسه :
- أنت بنعمة عظيمة ، لديك عينٌ كاملة ، بينما غيرك قد فقد عينين اثنتين .
* ايه والله .. ! الحمد الله .. الحمد الله أن جعلتني أفضل حالاً من غيري ممن ذهبت حياتهم وحياة عائلاتهم .. طـ .. طـ .. طيب ما فيه إمكانية تعوضني عن عيني ؟
- لا.
* أجل الحمد الله .. الحمد الله .. والله إني بنعمة .. عين كاملة مدورة وسليمة وذات جفن ، ورموش لم ينقص منها رمشاً واحداً ، أنظر بها كما أشاء .. ! الحمد الله .. ثم إن هذا يبدو وكأنه درس من رب العالمين ، فهو قد ابتلانا بهذه القنبلة التي أتلفت إحدى عيني ، وحتى أشكره بعيني السليمة .. من يدري ، ربما لو كانت لدي عينان لأرسلتهما للحرام .. ! سبحان من يعلم الخيرة لعباده .

تجاوزنا المؤمنَ هذا إلى من فقد قدمه ، كان جالساً ، يتأمل قدمه المبتورة بالكامل حتى عجيزته ، وقد تغضن وجهه لما أصابه . فلما رآنا هلل واستبشر بتعويض .. لكن العمدة أنساه مطالبه بعدة دعوات ، وتذكير بنعم الله عليه :
- للتو مررنا على من فقد نصفه كاملاً ، هل يسركَ لو كنت مكانه ؟
* لا والله .. !
- إذاً احمد الإله أن آتاكَ ما لم يؤتِ غيرك .
* صح .. صح .. ثم من يدري ، لعلها خيرة ، فغيري يملك قدمين ويستخدمها للرقص المحرم .. ! لعلك لاحظت أن النساء لم يقدرن نعمة الله أن وهبهن خصراً متناسقاً ، فاستخدمنه للاستعراض في حفلات " الدي جي " .. و" يهززن " كما صنعت ميريام فارس في كليبها الأخير لا سامحها الله .. ! أما الشباب فهم أسوأ حالاً ؛ يجتمعون في أحد استراحات الجنوب الغربي ، و " يشكشكون " على واحدة ونصف والعياذ بالله .. ثم يأتي أحدهم ويسجد ...
تدخلت أنا هذه المرة " لكنك الآن لا تملك إلا واحدة إلا ربع " !
* لا بأس .. لا بأس .. أظنها ذكرى لمن كان له قلبٌ ، سأستخدم قدمي الوحيدة لأضرب في الأرض ، وأبحث عن رزقي الحلال ، وابتعد عن " تسحيبهما " في مجالسة " الدشير " الذين ابتلي بهم كثير من الشعوب .
قالها وهو يقبل ظاهر وباطن يده اليمنى ، أم اليسرى فكانت تربت ممتنةً على عجيزته الوحيدة ، غير المكتملة .

حولت بصري عنه إلى مجموعة جدران متهاوية ، ومتكومة . تسلقتُ إحدى الزوايا بصعوبة ، لأجد أحدهم محبوساً داخل تلك الكومة في مساحة تقدر بمتر في نصف متر .. ! كان رجلاً سليماً معافى . انتبهَ لصوتي ، فرفع رأسه لي بنظرة خاوية بلا معنى .
تسلقَ العمدة وجلس بجانبي .. تأملنا المحبوسَ لفترة .. ثم سألتُ أنا :
- والحل ؟
* حل ماذا ، الرجل سليم ولا ينقصه شيء .
- هو محبوسٌ هنا ، وبحاجة لأن يتحرر .
التفت لي العمدة ، وتناول طرف شماغه ليغطي به فمه ، ثم انقلب منظر عينيه على شكل هلال مقلوب ، كعيني فلبينية بمستشفى الحرس :
- .. كـ .. كــ .. كااااااااااااك .
التفتُ للرجل المحبوس ، فرأيته يضحك هو الآخر ، وقد عجزَ - لطرافة وغباء تصريحي - عن الوقوف ، فسقط على ظهره ، ورفع قدميه في وجهي .. وقد تقطع صوته ، وبُحت ضحكاته !
انقطع حُلمي عند هذا الحد .

انتظرتُ رد معبر المنامات الذي صمت طوال وقت سردي ، احتراماً لي .. ممممم يبدو أنه قد نام ! لا .. ! الآن أسمع صوت شهيقه العميق الذي ينبئ عن حالة تفكير أعمق . بضع ثوانٍ أخر ، ثم زفر مبشراً :
- خيراً رأيت ..
* كاااااااااااااااك .
.
.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More