الخميس، 27 يناير 2011

حديثٌ في قبر








كان الانفصال مباغتاً ؛ ليس من السهل أن أعيش وإياكِ حياة طويلة حافلة ؛ ملئت بشقاوة الأطفال ؛ كنا نتعمد إغاظة بعضنا ونسعى لها ، نعتقد أن السعادة بيننا لن تدوم ما لم نطعم أيامنا بشيء منها ، كنا نتضايق من كثافتها ، وفي أحيانٍ أخرى نتعاهد على التقليل منها ، لكن كالعادة نعود ، ونمارس هذا الصخب ، ونستمتع به ، ثم نكرهه ، ونبرأ منه .. ثم نعود إليه بشغف أكبر !


أُجبرتُ على التوقف ! رُسمَ في طريقي خطٌ أعلن نهاية حياتي ، كانت مفاجأة غير متوقعة . تسأليني إن شعرتُ حينها بالخوف فأقول لا أدري ! هل لحقني شيء من الألم ؟ أظن أن رهبة التحول من حياة لأخرى قد ألجمت الإحساس لدي .

كان موقفاً غير مفهوم ؛ شعور غريب ؛ أشبهُ بجلوسك كضيفٍ عند أحدهم ، تقضينَ وإياه ساعاتٍ من الحديث العفوي ، يُدعى بالطعام ، تستغرقين فيه للحظات ، ثم عند نقطة -يختارها هو- يَرفعُ الأطباق من أمامك ، وينتزع كأس الماء من بين اناملك .. ! هكذا بلا سبب ! ماذا ستكون ردة فعلك ؟ غالباً لا شيء ، إن هي إلا نظرة تساؤل كبيرة مفرغة من أي إجابة محتملة .

لقد حُملَ الطعام من أمامي ، لستُ غاضباً لأجل هذا ، ولا جائعاً .. لكني مصدوم .. !


خوفٌ كبير من مجهول يبشرني بحياة صامتة ، فمنذ أُدخلتُ هذا المكان ، لم أسمع همسة . الهدوء يغيظني ، أظن حياتي معك قد جنت علي ؛ لأنها عودَتني على تداخل الأصوات ، واختلاط الدموع بالضحكات ، كنت استمتع بنشاز صراخنا الطويل ، وانفعالاتنا المباغتة ، لأني كنت أعلم أنه لدينا حل آخر ؛ وهو الابتعاد قليلاً ، كي نحظى بصمت مريح . أما الآن – هنا – فالصمت هو الخيار الأول والأخير ؛ هو المصير .

المساحةُ ضيقة ، بالكاد تسعني ؛ الحركة الوحيدة المتاحة هي الاستلقاء على ظهري ، ممدود القدمين ، لا مجال لثنيهما ! وهذا يعني أن لا فسحة لكِ أبداً ؛ أشك حتى في احتمالية إيجاد فرجةٍ لروحك حتى ، فعلاً المكان صُممَ كي يحتوي جسداً واحداً .. لا شريك له ..

أتذكر الآن النقاش حول ضرورة مشاركة الأفراح ، وأهمية التعاضد حال الأحزان ، ولازلت أذكر نقطة الاعتراض على هذا المبدأ ؛ وأن الواجب أن يعذرَ بعضنا بعضاً إن نسينا تهنئة ، أو فوتنا تعزية . كل هذا الأصوات تتردد في ذاكرتي المظلمة كظلمة المكان .


أنا مستقل تماماً ..
فكرة نظرنا له مراراً ، وجمعنا فوائدها ، وقتلناها بحثاً ، أن يعيش كلٌ حياته كما هي ؛ يمارس حقوقه ، يملك ذاته كاملة ، حتى ينجح أولاً ككائن مستقل ، لينجح بعدها كشريكِ عمر ..
الفرق أن الاستقلالية هنا لم تعد – كما في السابق- وسيلة ، بل أصبحت مآلاً وحيداً .


" أعطني حريتي .. أطلق يديا " ، أُنشدنا هذا البيت سويا ، لنستدل على حقنا في المغامرة ؛ أن نرتكب الخطيئة ، ونتعرف على قُبحها ، نسير في طريقها ونسير ، نتعذب بحوبتها ، ونصطدم بطريقها المسدود ، فنعود أدراجنا ، لنلتقي في منتصف الطريق .


" أعطني حريتي .. أطلق يديا " ، لا حرية هنا ، ويدي لها الحق في أن ترتفع لمسافة لا تزيد على 10 سنتمترات فقط ، دعك من حقي المسلوب في التقلب في مكاني كما كنت أفعل في فراشي من قبل .. !


أود أن أخبرك بعلمي بزياراتك المتكررة ، وأسمع وقعَ قدميك الصغيرتين عند مستوى رأسي ، خطواتكِ مرتبكةٌ متعثرة . بل تعرفت أذني نشيجك الخافت . كنتُ – لجهلي- أطمح بوصول قطرات دموعك إلي عبر المترين الفاصلة .. ! جربتُ الصراخ باسمك كثيراً ، كررت الصنيعَ حتى بُح صوتي ، فتحولت نداءاتي لأنين شوهَ حروف اسمك .. ! يبدو أن المكان يحمل خاصية تميزهُ ؛ فهو يخدم/يغيظ الداخل أكثر من الخارج ؛ يتكفل بإيصال الأصوات إليه ، ويمنع خروجها منه !


أتعلمين ؟ لا فرق بين حياتنا قديماً والآن ، هو مجرد قرار اتخذه القدر بالنيابة عنا ؛ كنا نناقش الاستقلالية والمشاركة والحرية ، يدس الآخرون أنوفهم ، نُقدمُ على خطوة ، فنبكي منها طويلاً/قليلاً ، ثم نحجم عن أخرى فنتحسر طويلاً/قليلاً . دائماً ما نلعب بالمنتصف ، نمارس حياة معلقة يتفرع منها أكثر من طريق . لا نجرؤ على اتخاذ قرار ، بل نقضي الأيام بالحديث تلو الحديث ، نُثبتُ خطة ، ونلغي أخرى ، رسمنا أشكالاً عدة لمستقبلنا ، حتى صارت حياتنا مثل دفتر " كشكول " ! ها قد أنقذنا أحدهم ، فأراحنا من عناء اتخاذ القرار ، وتصرفَ بحزم ، تصرفَ كمسئول ، وبقينا كما نحن – كالعادة – نمارس البكاء والتحسر .

الثلاثاء، 18 يناير 2011

يا ريـاض




تمنعت السحاب
من نباح الخطايا
من سُخف الخطاب

وقست أكثر
ببكاء منافق
بدعاء متكبر

لكن عين بهيمة
هطلت
رقت لها السحاب
وعزت
.
.

الأربعاء، 12 يناير 2011

وعـدٌ منتَظر





*
*

أعلمُ بوجودك
أشعر به
أتنفسه
أغفو على موسيقاه
أحلمُ بحمايته
أصحو على نجواه
بانتظار وعدك

سكنتَ قلبي
ولم تمس أرضي !
فبُذلَ في قدسيتكَ دمي
وضمنَ طُهركَ جسدي

همتُ بك
واشتقتُ للقياك
هناك .. هناك
في سماء لم أرها
وأحاط بها علمك

احملني إليك
بعيداً عن أرضك
بعيداً
عن شرٍ تملكَ قلوب خلقِك

احملني للسماء !
حيث الملائكة
حيث الصفاء

ثم جُد بـ فضلٍ
جُد بـماءٍ
وبـرَد
وطهٌر من خوفٍ
طهٌر من حزنٍ
وحِقد

كي أعود
ممتناً لك
كي أعود
وفياً لخليفتك !

فيُطعمَ فقير
ويأمنُ خائف
ويُعزَلُ ظالم أمِنَ النصير !

أعلمُ بوجودك
وأشعرُ به
وأتنفسه
بانتظار وعدِك

*
*