الجمعة، 23 سبتمبر 2011

صناعة شعراء البلاط








الذين استعرضوا حياة بائعات الهوى في رواياتهم ، استخرجوا لنا صنفين منهن : فهناك من تمتهن بيع اللذة لأنها تفتقر للتعليم أولاً ، ولأي موهبة قد تعينها على تحصيل وظيفة أخرى ، فلم تجد إلا جسدها كي تتكسب منه من خلال إمتاع أجساد الآخرين ، وهي في ذلك توجب أن يكون عملها بالغ السرية ؛ تخرج من حدود حيها في الظلام ، وتعرض بضاعتها للزبون ، تبيع ، ثم تعود لغرفتها المتهالكة ، وفراشها المهترئ. قد تبكي أحياناً تحت الأغطية ، وتلعن الزبون والزمن ، لكنها تعود في الليلة التالية وتفعل المثل . هي ليست فخورة بمهنتها ، والدليل أنها لم تسلك هذا الطريق إلا بعد أن أعياها البحث عن طرقٍ أخرى . قد نشعر تجاهها بتعاطف ، مهما اختلفنا مع طريقتها في نيل الرزق .
الصنف الثاني قد يكون ميسور مادياً ، لكن أحلامه أكبر من ظروفه ، فهو من النوع السعيد والراضي بعمله ، تتحقق أكبر أهداف عملها حين يعود لها الزبون مرة ثانية ويطلب المزيد ؛ تشعر بالزهو حين يفعل ذلك ويركع  مترنحاً عند قدميها ، حتى لو كانت تعلم أنه تحت سطوة كأسه الذي يحتضنه بيسراه ، وحتى عندما تتيقن أن حبه لها ينتهي مع انقلابه على ظهره ، وفي الصباح ربما يطردها مع سيل من الشتائم . هي لا تهتم لذلك كلّه ، جل اهتمامها بالورقات النقدية الملقاة في يدها . هذه الأوراق جاءت نتيجة ذكائها وفذلكتها - كما تحب أن تسميها . ربما تحكي قصص مهنتها عند للجميع ولا تخجل منها. عادة لا نتعاطف مع أمثالها ، لأنها ارتضت أن تجعل الجنس - والذي من المفترض أن يحفظ لمن تحب - سلعة تتاجر بها .
لكن في وقتنا الحاضر ، خرجت هذه التجارة من كونها بضاعة تنتهي مع شخير الزبون في غرفة النوم ، إلى أن تعتنق الشاشات . وتوسعت أعمالها لتغطي احتياجات العيون الجائعة . فأصبح المستهلك يدفع المال لا ليقتنص جسد إحداهن ، وإنما ليشاهدها وهي تبيع ! هنا بلغ الفخر ببائعات الهوى مبلغه ، فأصبحت أعمالهن صناعة بحد ذاتها ، وأقيمت مسابقات عالمية وفرش البساط الأحمر لهن ، ووضعت مسابقات وتقييمات وتصويت على أفضل عشرة بائعات الهوى مطبوعة على مجلات شهيرة ، والفائزة بالمركز الأول تكون قد نالت أعلى الدرجات في المعايير الموضوعة ، والتي من ضمنها جودة البضاعة وجاذبيتها لغريزة الجنس الآخر وكفاءة الأداء .
السؤال الآن بغض النظر عن تقززنا وانزعاجنا من هذه الصناعة : هل الفائزة بأفضل وأجمل بائعة هوى عندما تعود بالملايين ، وتركب سيارتها الفارهة ، وتدخل لمنزلها الفخم ، وتستلقي على فراشها الوثير ، تلعن شريك المشهد والمنظمين والشركة والصناعة بأكملها ، أم تدعوا لهم ؟


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More